Constantine / نزع الحجاب بين الإدانة الاجتماعية والقبول

نزع الحجاب بين الإدانة الاجتماعية والقبول 
تواجه النساء اللواتي ينزعن الحجاب ضغوطا اجتماعية مختلفة بسبب الخروج عن السلوكيات المتعارف عليها، ليجدن أنفسهن ضحية أحكام أخلاقية ومساءلة جماعية من المحيط تمس بالحرية الشخصية التي تكفلها قوانين الجمهورية. 


بتول تُتهم بإفساد أخلاق تلاميذها لأنها كشفت عن شعرها
وتروي لنا *بتول البالغة من العمر 28 سنة والتي تعمل أستاذة للغة الانجليزية في التعليم المتوسط بإحدى البلديات الصغيرة بولاية غربية، قصتها مع نزع الحجاب، عندما دفعتها قراءاتها في الأدب والفلسفة إلى إعادة التفكير فيه وطرح الأسئلة حوله خصوصا وأنه صار يزعجها أثناء عملها في فصل الحر. وتقول بتول إنها فكرت طويلا قبل التخلي، خصوصا في ردة فعل زملائها من الأساتذة وتلاميذها، الذين بدأت بتحضيرهم نفسيا من خلال نزع وإعادة وضع الخمار أمامهم، قبل أن تقرر في نهاية المطاف نزعه نهائيا داخل المؤسسة.
وتضيف محدثتنا بأن المدير شكل لجنة تضم أساتذة وممثل النقابة وأعضاء من المتوسطة للاستماع إلى أقوالها بشأن القضية، بعد أن أعلمها بأن الأولياء تقدموا بشكوى ضد ما قامت به، واعتبروا فيها بأنها تشكل "تهديدا" على أخلاق أبنائهم، رغم أن المعنية أكدت لنا بأنها لم تحثهم يوما على فعل أمور خارجة عن القانون أو تمس بمسارهم التعليمي، في حين هددها المدير بإحالة القضية على مديرية التربية وطالبها بـ"تحسين خلقها"، على حد  تعبيرها. وعادت إلى ارتداء الحادثة بعد الحادثة، إلا أن نظرة الاحتقار ظلت تلاحقها من طرف زملائها في العمل وأصبحوا يتجنبون الحديث معها، باستثناء عدد قليل من زميلاتها.
أما من جهة عائلتها، فأكدت لنا بأن والدها ساندها في قرارها، على عكس أمها التي عارضت الأمر بشكل قاطع لكن بتول اليوم تغطي رأسها عندما تكون داخل الولاية التي تقطن بها وتكشفه بمجرد خروجها منها.
مونية: المحجبة في مجتمعنا مضطهدة وغير المحجبة مشتهاة
وقصت علينا *مونية التي تعمل كموظفة بمؤسسة عمومية وارتدت الحجاب يوم وفاة زوجها منذ خمس سنوات حزنا عليه، بأنها اتخذت قرارا حاسما بنزع الحجاب وفعلت ذلك بالتدريج، حيث لم تتمكن من الخروج عارية الرأس تماما إلا بعد ستة أشهر، كانت تعتمر خلالها قبعات لتغطية شعرها، وتخلعها عندما تركب سيارتها أو تدخل مكان العمل فقط. وأوضحت محدثتنا بأن الأشخاص الذين عرفوها قبل وفاة زوجها أعجبوا برؤيتها كما كانت سابقا لكن مع بعض التحفظ فيما صُدم الآخرون، مشيرة إلى أن الأمور تحسنت حاليا، رغم أن هذه القضية أثرت عليها من الناحية النفسية والصحية.
وحدثتنا مونية بأن عدم استيعابها لضرورة "تقديس الشعر" من الأسباب التي دفعتها إلى التخلي عن الحجاب، خصوصا وأن عبارة "تغطية الشعر" غير واردة في أية آية بشكل حرفي، مضيفة بأن ارتداء الحجاب من عدمه خيار شخصي جدا في نظرها، كما قالت أن الحجاب كان يمثل الحزن بالنسبة إليها لدرجة لم تعد تعرف نفسها من خلاله، قبل أن تنزعه بسبب رغبتها في التوقف عن النظر إليها على أنها أرملة، لكنها بعدما تخلت عنه عادت إلى حياتها ولم تعد تشعر بأنها "المحجبة غير المعرفة داخل المجموعة" على حد تعبيرها.
واستطردت مونية بالقول "لقد منح كل من يعرفونني أنفسهم الحق في الحكم علي، وكان يجب علي أن أشرح الأمر لجميع أفراد هذا المجتمع الكاره للمرأة، كما وجدت نفسي أواجه النظرات المشحونة بالنمطية والموجهة صوبي من طرف مجموعة كبيرة من الأشخاص، كالعائلة والجيران والبائعين والسواق وقابضي الحافلات وسائقي سيارات الأجرة وعمال دار الحضانة التي أضع فيها ابني. وقد كنت موضوع الكثير من المحادثات لمدة طويلة، المحجبة في مجتمعنا مضطهدة وغير المحجبة مشتهاة".
الخوف من المجتمع يمنع فتيات من نزع الخمار 
وتوجهنا خلال قيامنا بهذا العمل إلى عدد من الفتيات لمعرفة رأيهن حول موضوعنا، حيث أخبرتنا تينهينان التي تعمل في مجال التدريس بأنها تعرف فتيات نزعن الحجاب بدافع التحرر دون إدراك معمق بما يردنه في الحقيقة، في حين تقول إن فتيات أخريات نزعنه بعدما تأثرن بمفكرات في القضايا النسوية، مضيفة بأن كثيرات قررن وضع الخمار منساقات خلف بعض دعاة القنوات التلفزيونية المشرقية. وأضافت بأنها قادرة على التخلص منه لكنها متخوفة من جرح مشاعر والديها،، لأنهما قد يعارضان الأمر بسبب الضغوطات الاجتماعية التي من المحتمل أن تنجم عن الأمر.
أما بالنسبة للميس التي تعمل في إدارة عمومية، فقد أوضحت بأنها محجبة، لكنها لا يمكن أن تصدر أحكاما أخلاقية على الفتيات اللواتي يقررن نزع الحجاب، خصوصا وأنها تعرف بعض من اضطررن لفعل ذلك عندما سافرن إلى فرنسا لأن قوانين المؤسسات تمنع عليهن العمل بالخمار، كما قالت إنها ارتدت الحجاب عن قناعة تامة والتزاما بتعاليم الدين الإسلامي، مؤكدة بأن شقيقتها غير محجبة لكن ذلك لا يمس على الإطلاق بمستوى أخلاقها العالي أو يجعل منها منحرفة من المنظور الاجتماعي أو القانوني، على عكس الكثير من المحجبات اللواتي يفعلن أمورا منافية للأخلاق. كما قالت لميس إن حجابها وارتداءها لملابس غير كاشفة لجسدها يجنبها الكثير من المضايقات والمعاكسات في الشارع.
ذكور يعتبرون الحجاب مسألة شخصية
وقال علي الذي يعمل في مجال الفلاحة، إن الحفاظ على الحجاب أو نزعه مسألة شخصية لا يجوز للمجتمع التدخل فيها، خصوصا وأن القانون الجزائري يكفل الحريات الشخصية وحرية المعتقد، مشيرا إلى أنه ما زال يتذكر بعض الأئمة والدعاة وهم يدعون النساء إلى عدم ارتداء السراويل لأن في ذلك "تشبها بالرجال" لكن المجتمع قبل بالأمر بعد ذلك بسنوات وصار ارتداء المرأة للسروال سلوكا عاديا، ويمكن أن يحدث نفس الأمر مع نزع الحجاب. 
لكن لقمان الذي يعمل محاسبا في مديرية عمومية يملك رأيا مخالفا، حيث قال "إن موضوع حجاب المرأة صار من الإشكاليات بسبب ما يروج له دعاة تحرير المرأة ومحاربي الرموز الإسلامية على أنه علامة على التخلف والرجعية". وأضاف محدثنا بأن "ظاهرة" نزع الحجاب بعد ارتدائه انتشرت بحجة منع المرأة من العمل في الأسلاك الأمنية كالشرطة والجمارك والجيش. 
أما صادق فاعتبر بأن الخطأ يقع على عاتق الأولياء والمحيط الأسري، الذي فشل في زرع التربية المناسبة لدى الفتاة، بما فيها احترام الأسرة والعادات الدينية والخوف من الوقوع في الطابوهات وتجنب العتاب الاجتماعي.
ويؤكد المختص في علم الاجتماع الثقافي من جامعة جيجل عمار بن طوبال، بأن الحجاب تحول إلى عادة تمارسها المرأة إرضاء للمجتمع، لذلك صار طبيعيا أن تتخلى عنه المرأة، بعد أن أصبح يقتصر على تغطية الرأس لأنهن لم يضعنه نتيجة لاقتناع ديني. 
*اضطررنا لتغيير أسماء الفتيات اللواتي أدلين بالشهادات نزولا عند رغبتهن.

 Un reportage réalisé par Sami Habbati, Issam Bouleksibat, Badreddine Mahdid et Derghal Salah.

Commentaires

Articles les plus consultés